بعد مطالعتى للمقطع الذى رد فيه فضيلة الشيخ محمد عبد المقصود حفظه الله و بارك فى عمره على شخصى الفقير و مقالى المتواضع الذى عنوانه "رسالة إلى المزايدين " لاحظت الآتى :
أولا : يبدو أن هناك من وضع المقال للشيخ على صفحته بطريقة بدت و كأن الشيخ فهم أن مقالى كان ردا على مقطع لفضيلته حول أحداث بورسعيد أو هكذا ظهر لى أنه وصل للشيخ من خلال طريقة الكلام التى فى رده علىّ بحلقته على قناة الناس و كأننى كنت أقصده به معاذ الله
و الحقيقة أنه ببحث بسيط وجدت أن تاريخ رفع مقطع الشيخ الأول الذى ظن أننى كتبت المقال ردا عليه هو الثالث من فبراير الجارى و تاريخ المحاضرة التى أخذ منها المقطع كان الثانى من فبراير فى حين أن مقالى كتب فى نفس يوم إلقاء فضيلته للمحاضرة
يفهم من هذا قطعا أننى ما كتبت مقالى ردا على فضيلته كما نقل له و أقسم بربى أننى ما سمعت كلامه عن الحادث إلا بعد كتابتى للمقال بيومين و معاذ الله أن أكتب مقالا أعنون له بهذا العنوان و يكون فى مخيلتى أن أقصد به أحد علمائنا الأفاضل الذين أحترمهم و أحفظ فضلهم و أتحدى أى قتات ممن يهوى الوقيعة بين الناس أن يخرج من مقالاتى كلمة فيها إساءة أدب معهم .
ثانيا : فضيلة الشيخ بارك الله فيه و نفع الأمة بعلمه علق على كلمتى التى صدرت بها مقالى و بينت بها قلقى من النبرة التى بدأت تظهر فى الأفق لدى بعض الشباب بأن لهجتى متفلسفة متعالية و أنا أقبل منه ذلك فهو والد و معلم و أستغفر الله و أتوب إليه من أى تعالٍ أو كبر و أعوذ بالله من ذلك
لكننى فعلا و الله كنت قلقا من تلك النبرة التى جعلت إخوة كثر يعلقون على أحداث المباراة بأنها سوء خاتمة و يصرحون أو يلمحون بأن القتلى فى النار و هؤلاء هم قصدتهم فى المقال بأصحاب النبرة التى تقلقنى فلقد تعلمنا أننا كما لا نقطع بجنة لشخص فإننا كذلك لا نقطع له بنار و لذا فلم أكن مستعرضا حين قلت أنى قلق من تلك النبرة بل فى الحقيقة مصطلح قلق كان تخفيفا لما كنت أجده فى صدرى حينئذ و أنا أطالع تعليقات هؤلاء الشباب الذين تطرفوا فى الجزم بسوء عاقبة من مات كما تطرف آخرون فى الجزم بحسن عاقبتهم
ثالثا : تكلم فضيلة الشيخ حفظه الله تعالى عن ظن الناس أن من قتل فى المباراة شهيدا و خطورة ذلك على عقيدتهم و فى الحقيقة لابد هنا من بيان أن المقال موجود و منشور على صفحتى و على مواقع أخرى و صفحات لا سلطان لى عليها و لا أستطيع أن أغير فيها حرفا و هو لا يحوى أى كلمة عن الشهادة لا بنفى و لا إثبات
ليس ذلك لأننى لا أستطيع أن أفصل فى الأمر و لكن لأن الكلام لم يكن عن قضية الشهادة و إنما كان مدار المقال بكامله حول معنى تحدث عنه فضيلة الشيخ مشكورا و أقره فى الدقيقة الرابعة و خمس و عشرين ثانية من المقطع المرفق و قال فيها فضيلته بالحرف " لو أن شابا كبيرا أو صغيرا أو طفلا أو غير ذلك شاهد هذه المباريات ثم تعرض للقتل فلا نقول أبدا أن ميتته جاهلية "
و هذا و الذى لا إله غيره هو ما أصلت له فى مقالى و لم أتطرق قط لقضية الشهادة رغم أن من الأدلة التى ساقها الشيخ فى معرض تفصيله لأنواع الشهداء حديث "ومن قتل دون دمه فهو شهيد " و هو ما قد ينطبق على بعض من قتل ظلما و غدرا فى هذه المباراة .
و مما هو معلوم ما ذكره الجمهور كما فى جاء في " الموسوعة الفقهية " ( 29 / 174
"ذهب الفقهاء إلى أن للظلم أثراً في الحكم على المقتول بأنه شهيد ، ويُقصد به غير شهيد المعركة مع الكفار ، ومِن صوَر القتل ظلماً : قتيل اللصوص ، والبغاة ، وقطَّاع الطرق ، أو مَن قُتل مدافعاً عن نفسه ، أو ماله ، أو دمه ، أو دِينه ، أو أهله ، أو المسلمين ، أو أهل الذمة ، أو مَن قتل دون مظلمة ، أو مات في السجن وقد حبس ظلماً .
واختلفوا في اعتباره شهيد الدنيا والآخرة ، أو شهيد الآخرة فقط ؟ .
فذهب جمهور الفقهاء إلى أن مَن قُتل ظلماً : يُعتبر شهيد الآخرة فقط ، له حكم شهيد المعركة مع الكفار في الآخرة من الثواب ، وليس له حكمه في الدنيا ، فيُغسَّل ، ويصلَّى عليه" انتهى .
ولا يشترط لتحصيل ثواب الشهداء أن يواجه المظلوم أولئك المعتدين ، فإن قتلوه على حين غِرَّة : كان مستحقّاً لثواب الشهداء إن شاء الله .
ومما يدل على ذلك : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه طعنه أبو لؤلؤة المجوسي وهي يصلي الفجر بالمسلمين ، وعثمان بن عفان رضي الله عنه ، قتله الخارجون عليه ظلماً ، وقد وصفهما النبي صلى الله عليه وسلم بأنهما شهداء .
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى " أُحُدٍ " وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ ، فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ ، قَالَ : (اثْبُتْ أُحُدُ ، فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ ، أَوْ صِدِّيقٌ ، أَوْ شَهِيدَانِ) رواه البخاري (3483) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
" (فالنبي) هو عليه الصلاة والسلام ، و(الصدِّيق) : أبو بكر، و(الشهيدان) : عمر ، وعثمان ، وكلاهما رضي الله عنهما قُتل شهيداً ، أما عمر : فقُتل وهو متقدم لصلاة الفجر بالمسلمين ، قُتل في المحراب ، وأما عثمان : فقُتل في بيته ، فرضي الله عنهما ، وألحقنا وصالح المسلمين بهما في دار النعيم المقيم" انتهى
" شرح رياض الصالحين " (4 / 129 ، 130
إلا أننى لم أذكر شيئا من هذا فى المقال المذكور بل كل ما طالبت به هو ما لخصته فى آخر المقال فى فقرة لم يقرأها الشيخ حفظه الله على الهواء و قلت فيه ما نصه " و أما من صار فى ذمة الله الآن لا يحتاج منك إلا أن تدعو له بالرحمة و المغفرة و تكله إلى مولاه الذى هو أعلم به و أرحم " و الكلام كما بينت لم يكن موجها إلا للشباب الذين أصروا على تسفيه هؤلاء الموتى و جرح مشاعر المكلومين بتسفيههم و هم من وجهت إليهم الكلمة التى أغضبت فضيلة الشيخ منى حين قلت " فإن لم تستطع أن توجه غضبك و محاسبتك له فليس أقل من أن تنفذ وصية حبيبك صلى الله عليه و سلم و تقول خيرا أو تصمت" و تصور الشيخ أنها له بسبب الإخوة الذين أبلغوه ذلك سامحهم الله و معاذ الله أن أكلم فضيلته بتلك اللهجة أبدا أو حتى أعين من أكلمه بتلك اللهجة ممن هم دون الشيخ علما و مقاما و من يعرفنى يعلم جيدا أن هذا ليس أسلوبى مطلقا و لله الحمد
رابعا : ذكر فضيلته أنه لا يعرفنى و أننى أعرض بهم - أى العلماء – و أنا فعلا أقل من أن يعرفنى و أعلم قدر نفسى جيدا و رغم قلة بضاعتى و عدم معرفة فضيلته بى إلا أننى أعرفه و أعرف قدره و قدر سائر العلماء و لم يحدث يوما أن انتقصت من أحدهم و معاذ الله أن أعرض بهم يوما . قد أختلف نعم و قد تتباين رؤيتى السياسية لكن لم يحدث قط أن تجاوز هذا الخلاف حدود الأدب و لله الحمد و المنة و سبحان الله قبل الحادث بأيام قليلة كنت قد كتبت مقالا فيه تنبيه و تفريق بين الاختلاف بأدب و حب و بين ما يفعله بعض الشباب من تطاول أعلنت براءتى منه و نصحت إخوانى أن يقلعوا عنه و جهرت بعدم قبولى له على صفحتى و من شاء فليراجع ليجد ذلك جليا
خامسا : استنبط فضيلة الشيخ حفظه الله تعالى من الجملة التى قلت فيها : "المسئول الحقيقى هو من رأى دعاوى التعصب على التويتر و منتديات الكرة و تركها تشتعل رغم امتلاكه لكل أجهزة الدولة الأمنية" أننى أصف الجنود البسطاء أنهم من دولة أخرى أو أنهم يهود و حاشا لله أن أقصد ذلك بل و الله هم إخواننا و أولادنا و لقد كتبت من قبل فى هذا المعنى مقالا بعنوان "ألست أخى " و أوضحت فيه حبى و احترامى لجنود وطنى و لكننى عنيت بالجملة من أصدر لهم الأوامر كى لا يحركوا ساكنا و ما قصدت تسفيها او تخوينا لهم بعموم إنما قصدت القيادات الفاسدة التى على رأس السلطة و ليس هذا ادعاءا لبطولة أو ما شابه و لكنها كلمة حق أدين لله بها و تعلمت أن أجهر بها و فضيلته دوما كان قدوة فى هذا الباب فلطالما جهر بها فى وجه الطاغوت مبارك و اكتسبنا منه ذلك الخلق الكريم جزاه الله عنا خيرا لكننى أبدا لم أعن جنديا بسيطا أظنه ضحية كما أن كثيرا ممن قضوا فى تلك الأحداث ضحايا
و أخيرا و بعد أن بينت ما استطعت و ما طاوعنى قلمى على كتابته فى هذا الأمر و أظهرت وجهة نظرى بوضوح أحب أن أوجه رسالة لم يقومون بواجب النقل لمشايخنا الأفاضل
أرجو أن تكونوا أمناء فى النقل فتوقيت مغاير أو معلومة منقوصة أو بلاغ شابه الرأى قد تورث ضغينة و وقيعة تتحملون إصرها أمام الله و أرجو إن قررتم أن تنقلوا أن تكونوا على قدر المسئولية و ليس كما حدث فى هذا الأمر لدرجة جعلت الشيخ حتى يظن أننى أخطىء فى قواعد اللغة فى عنوان المقال الذى لم يكلف الناقل نفسه عناء نقله كما هو فأخطأ فى اعراب بسيط فيه و تحملت أنا خطأه
كل الحب و الاحترام و التقدير لشيخنا الذى نحفظ له فضله و لا ننسى أبدا أنه فى فترة حالكة كان عونا لنا و سندا و مواقفه المشرفة أيام الثورة جعلتنا نرفع رؤوسنا و فتاواه فى تلك الأيام كانت من أهم أسباب نزولنا و صدعنا بالحق فى وجه الظالم فجزاه الله عنا خيرا لحرصه و نصحه و بارك الله فى عمره و نفعنا بعلمه إنه ولى ذلك و القادر عليه و الله أعلى و أعلم
.
و كتبه
محمد على يوسف
صباح الثلاثاء السابع من فبراير 2012